دار الإفتاء توضح حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة
حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة هو ما يرغب في معرفته الكثيرون مخافة الوقوع في المحظور ومخالفة الشرع، ما يجعل من معرفة حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة أمرا مهما.
وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة، وأجاب عنه مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام باستفاضة عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء ليعرف الجميع حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة.
حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة
سأل يقول: ما حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة؟ فأنا متزوج بامرأة صالحة، وأحبها وتحبني ونحن سعداء، ولكن يرغب والديَّ بأن أطلقها، فهل يجب عَليَّ طلاقها؟ وهل رفضي لطلاقها فيه عقوق للوالدين أو عدم برٍّ لهما؟
وأجاب المفتي: ليس من البرِّ طاعة الوالدين في تطليق الزوجة وهدم البيت، ولا يجب على الابن أن يطيع والديه في ذلك؛ ما دام أنه لا يوجد مُبرّر شرعي، ولا يُعدّ ذلك من العقوق أو الإثم في شيء، وعليه أن يرفق بهما ويتلطف معهما، ويتحايل بالحكمة في أمره معهما بما يحقق المصلحة لنفسه وأهله ولا يُغْضِب والديه.
الإنسان وحرية الاختيار في الشريعة الإسلامية
شرع الله تعالى التشريعات بما تشتمل عليه من أوامر ونواهي ومحاذير ومندوبات، ومنح الإنسان حرية الاختيار في كل أمر يعود إلى جبلته وفطرته أو ميل نفسه، أو اختيار عقله وقلبه، دون أن يلزمه في ذلك بشيء دون شيء ما لم يكن في اختياره ذلك إثمٌ أو ضررٌ أو مفسدةٌ؛ حتى يتحمل تبعات اختياراته.
ومن الأمور التي ترجع حتمًا إلى إرادة الإنسان واختياره في ضوء الضوابط الشرعية المنظمة لها: أمر الزواج وما يتبعه من استمرار الحياة الزوجية أو إنهائها على وفق ما يجد الإنسان فيها ما يتوخاه من تحقيق أهداف ومقاصد الزواج؛ حيث اعتبر الشرع ذلك الأمر من حقوق الإنسان الراجعة إلى تقديره وحاجته، والتي لا يحق لأحد حرمانه منها أو إجباره عليها، ما دام موافقًا لمراد الشرع وضوابطه.
وممَّا يُؤكّد ذلك المعنى ويُوطّده أن الشرع الشريف لم يجعل للولي -ولو كان أحد الأبوين- حق الإجبار على الزواج أو المنع منه، إذا كان من تحت ولايته بالغًا عاقلًا ذكرًا أو أنثى، فلا يحقّ للأب تزويج ابنته أو ابنه إلا بعد التأكد من موافقتهما على هذا الزوج أو تلك الزوجة.
قال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (32/ 30، ط. مجمع الملك فهد): [ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وإنه إذا امتنع لا يكون عاقًّا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكلِ ما يُنفِّر منه مع قدرته على أكلِ ما تشتهيه نفسه كان النكاح كذلك وأولى، فإن أكلَ المكروه مرارة ساعة، وعِشْرة المكروه من الزوجين على طول تؤذي صاحبه ولا يمكنه فراقه] اهـ.
ضابط الطاعة المأمور بها من الأولاد للآباء
ومع تقرير ذلك المعنى من إنَّه لا يحق للوالدين أو أحدهما إجبار الأولاد على الزواج ممَّن لا يرغبون بالزواج منه، إلا أنَّه لا منافاة بين ذلك وبين ما منحه الشرع للوالدين من منزلة ومكانة تحتم على الأولاد الطاعة والرعاية على أتم وأكمل وجه، وهو المأمور به في قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23]؛ إذ إن ضابط الطاعة المأمور بها من الأولاد للآباء: هو كلّ ما يعود لمنافع الأبوين بحيث يلحقهم ضرر بتفويته، مع عدم الإضرار بمصالح أولادهم الحقيقية، بحيث إذا تعارضت تلك الطاعة فيما يضر بمصالحهم وما لا بد لهم منه من الأمور الحياتية كالزواج والعمل والسكن، فإنه يجب حينئذٍ التلطف مع الآباء وبيان تعذر طاعتهم في ذلك لما يعود من ورائه من ضرر أو مشقة لا يرضونها لأولادهم أصالة.
قال العلامة ابن مفلح [ت: 763هـ] في "الآداب الشرعية والمنح المرعية" (1/ 436، ط. عالم الكتب): [قال أبو بكر في "زاد المسافر" فيضحكهما، وقال في رواية أبي عبد الله: روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبايعه فقال: جئت لأبايعك على الجهاد وتركت أبويَّ يبكيان قال: «ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما». وقال الشيخ تقي الدين بعد قول أبي بكر: هذا مقتضى قوله أن يبرأ في جميع المباحات فما أمراه ائتمر وما نهياه انتهى، وهذا فيما كان منفعة لهما ولا ضرر عليه فيه ظاهر، مثل: ترك السفر، وترك المبيت عنهما ناحية، والذي ينتفعان به ولا يستضر هو بطاعتهما فيه قسمان: قسم يضرهما تركه؛ فهذا لا يستراب في وجوب طاعتهما فيه، بل عندنا هذا يجب للجار، وقسم ينتفعان به ولا يضره أيضا طاعتهما فيه على مقتضى كلامه، فأما ما كان يضره طاعتهما فيه لم تجب طاعتهما فيه لكن إن شق عليه ولم يضره وجب] اهـ.
ضابط عقوق الوالدين وأثره على إنهاء العلاقة الزوجية
ضابط العقوق: "أن يؤذي الولد أحد والديه بما لو فعله مع غير والديه كان محرمًا من جملة الصغائر، فينتقل بالنسبة إلى أحد الوالدين إلى الكبائر، أو يخالف أمره أو نهيه فيما يدخل فيه الخوف على الولد فوات نفسه أو عضو من أعضائه ما لم يتهم الولد في ذلك، أو أن يخالفه في سفرٍ يشق على الوالد وليس بفرض على الولد، أو في غيبة طويلة فيما ليس بعلم نافع ولا كسب، أو فيه وقيعة في العِرض لها وقع"؛ كما قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 116، ط. دار الفكر).
هذا، ولَمَّا كان أمر إنشاء الزواج وانعقاده لا يشرع فيه الإجبار من الوالدين، ولا يلزم الأولاد فيه الطاعة إن خالف اختيارُ آبائهم اختيارَهم وميلهم، فكيف يكون لإنهاء الزواج وما يتبعه من انهدامِ بيتٍ وفرقةٍ وشتاتِ أمرٍ وتبعاتٍ مالية كبيرة ونفسية خطيرة أن يلزمهم الشرع بطاعتهم في ذلك، إضافة إلى ما قد يلحق الزوجة من ظلم إن طُلِّقتْ دون وقوع تقصير منها.
أقوال الفقهاء في طاعة الرجل لوالديه في أمر الطلاق
تواردت نصوص الفقهاء على أنه لا يجب على الولد طاعة الوالدين في أمرهما بطلاق زوجته؛ إذ الأصل في الطلاق الحظر لا الإباحة، فلا ينبغي اللجوء إليه إلا في حال تعذر الحياة الزوجية بين الزوجين، أو ثبوت تضررهما أو أحدهما باستمرارها، ولم يجعل الشرع رغبة الوالدين في تطليق زوجة الابن من المسوغات التي يُبَاح لأجلها الطلاق، كما أنَّ مخالفتهما في ذلك ممَّا لا يُعدّ في العرف عقوقًا، ولا يترتب عليه إثم ولا ذنب.