الخميس 21 نوفمبر 2024 مـ 05:01 مـ 19 جمادى أول 1446 هـ
بوابة المواطن المصري

دار الإفتاء توضح حكم التعصب الذي يصاحبه فحش وسباب في الرياضة

الإفتاء
الإفتاء

يسأل البعض عن حكم التعصب في الرياضة وما يصاحب ذلك من فحش وسباب، خاصة في ظل ما تشهده الملاعب من تلك الظاهرة، ما يجعل من معرفة رأي الشرع في عملية التعصب الكروي أمرا مهما.

وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول ممارسة كرة القدم وتجيع الفرق وما ينتج عن ذلك من عمليات التعصب التي تؤدي إلى مشاحنات وبغضاء سواء بين اللاعبين أو المشجعين نتيجة التعصب.

حكم التعصب الذي يصاحبه فحش وسباب في الرياضة

سأل يقول: ما حكم ممارسة كرة القدم ومشاهدتها وتشجيع الفرق بها؟ فأنا وبعض زملائي نمارس كرة القدم، ونشاهد مبارياتها، وتشجيع أحد الفرق بها، فعَلَت أصوات البعض التي تُحرِّم ذلك؛ فما حكم الشرع في هذا الأمر؟

وأجاب مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء: يجوز ممارسة لعبة كرة القدم ومشاهدتها وتشجيع الفرق بها، وذلك بشرط مراعاة الضوابط والتي يجمعها ضابط عام وهو: "ألَّا يَصْحَبها منهيٌّ عنه"، وكان ذلك منضبطًا بالآداب الشرعية والالتزامات الاجتماعية؛ فلا يجوز أن يترتَّب عليها تعمُّد تضييع واجبٍ شرعيٍ أو وطنيٍّ أو حياتيٍّ أو أُسريِّ، ولا يجوز فيها تعمُّد الإضرار بالمنافس، بل ينبغي أن تكون المنافسة شريفة تضبطها قوانين اللعبة وأخلاقها، كما لا يجوز أن يصحبها فحشٌ أو سبابٌ أو تعصبٌ ممقوتٌ، سواء من المتنافسين أو المشجعين؛ حتَّى لا تكون سببًا للتباغض والتشاحن والتنافر.

كرة القدم لعبة تحكمها لوائح وقوانين

كرة القدم لعبة رياضية جماعية، تقوم مسابقاتها على المنافسة بين أكثر من فريق، تحكمها لوائح وقوانين، ويقوم بالإشراف عليها وتنظيم مسابقاتها ووضع اللوائح المتعلقة بها وفض النزاعات بين أفرادها الاتحاد المحلي والقاري والدولي المتعلق بتلك اللعبة، كلٌّ حسبما يختص به من صلاحيات في ذاك الصدد.

جاء في اللائحة التنفيذية لقانون الرياضة المصري، رقم (71) لسنة 2017م في فصل التعريفات: [كرة القدم: لعبة تراقبها وتنظمها الفيفا والكونفيدراليات أو أيُّ اتحاد وفقًا لقوانين اللعبة] اهـ.

كما حدَّدت اللائحة المذكورة في المادة رقم (4) تحت عنوان عدم العنصرية والمساواة، والمادة رقم (5) تحت العنوان السابق نفسه، والمادة رقم (6) تحت عنوان تعزيز العلاقات الودية، القيم التي يستهدفها اتحاد اللعبة كالسعي لنبذ الكراهية والعنصرية وتحقيق التعارف بين الشعوب.

ولا يقتصر التكييف المعاصر لهذه اللعبة بحسب قوانينها ولوائحها المحلية والدولية وما يُرتجَى من ثمرتها على كونها ترفيهًا فقط؛ بل تشمل هذه اللعبة جانبًا مهاريَّا، وجانبًا أخلاقيًّا قِيَميًّا، وجانبًا ذا صلةٍ بالدعوة للسلام العالمي ونبذ الكراهية.

وأصل اللعب بالكرة لرفع المهارات البدنية والتنافسية عُرف قديمًا بأسماء متعددة؛ منها: الكُجـَّة، والبُكسة، والخَزفة، والتوان، والآجُرَّة، والصَّوْلجان، والكُرة؛ جاء في "تهذيب اللغة" (9/ 315، ط. دار إحياء التراث): [عن ابن الأعرابي أنَّه قال: كجَّ فلان: إذا لعب بالكجة.. قال ابن الأعرابي، وهو أن يأخذ الصبي خرقة فيدورها كأنها كرة.. فتسمى هذه اللعبة في الحضر باسمين، يقال لها: التوان، والآجرة يقال لها: البكسة] اهـ.

ممارسة الأنشطة الرياضية والترغيب فيها

حثَّ الإسلام على ممارسة الأنشطة الرياضية عمومًا؛ لما لها من الفوائد التي تعود على الإنسان، من تقوية الجسد جسمانيًّا وذهنيًّا ونحوه؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «عَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرَّمْيَ» رواه الإمام البيهقي في "شعب الإيمان".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» رواه الإمام ابن ماجه في "سننه".

وهذه الأخلاق الرياضية التي تدعمها ممارسة كرة القدم من نحو التنافس الشريف والتدريب على المواجهة والمبادرة وغيره كامنة في الرياضات التي مارسها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه والتي دعم ممارستها بين أصحابه؛ ومنها: الرماية أي: رمي السهام والقوس، وكذلك الفروسية، والمصارعة، والسباحة، والمبارزة.

قال الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (15/ 182، ط. دار الكتب العلمية): [فإذا ثبت جواز السَّبق والرمي فهو مندوبٌ إليه إن قصد به أهبة الجهاد، ومباح إن قصد به غيره] اهـ.

وقد مارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرياضة بنفسه الشريفة؛ حيث كان يسابق زوجه أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها فتسبقه مرة ويسبقها مرة، ويقول لها: «هَذِهِ بِتِلْكَ» أخرجه الإمام أبو داود في "سننه"، وأحمد في "مسنده".

وعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنَ الحَفْيَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ" وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا. أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

قال الإمام الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 72، ط. دار المعرفة): [وفي الحديث مشروعية المسابقة وأنَّه ليس من العبث، بل من الرياضة المحمودة الموصِّلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك] اهـ.

وفي معناه كلُّ رياضةٍ تحقّق التنافس وتُنمِّي الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم وتُرَقِّي القوة، كشأن الرياضات التي اعتمدتها الاتحادات المعتمدة، ومنها كرة القدم؛ فهي ليست من قبيل العبث أو الَّلهو المنهيِّ عنه في قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، وَكُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ، إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ» رواه الإمامان الترمذي وابن ماجه في "سننيهما" عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.

قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (6/ 2502، ط. دار الفكر): [وفي معناها: كل ما يعين على الحق من العلم والعمل إذا كان من الأمور المباحة، كالمسابقة بالرجل والخيل والإبل، والتَّمشِيَة للتَّنزُّه على قصد تقوية البدن، وتطرية الدماغ] اهـ.

وقال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (6/ 206، ط. دار الكتب العلمية): [اللعب إذا تعلَّقت به عاقبة حميدة لا يكون حرامًا] اهـ.