السبت 23 نوفمبر 2024 مـ 10:14 مـ 21 جمادى أول 1446 هـ
بوابة المواطن المصري

ما حكم إرسال اليدين في الصلاة؟.. «دار الإفتاء تجيب»

الصلاة
الصلاة

حكم إرسال اليدين في الصلاة -أي وضع اليدين جانبا- هو ما يسأل عنه البعض خوفا من الوقوع في المحظور ومخالفة الشرع، ما يجعل من معرفة حكم إرسال اليدين في الصلاة أمرا مهما.

وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم إرسال اليدين في الصلاة، وإجاب عنه مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام باستفاضة عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء ليعرف الجميع حكم إرسال اليدين في الصلاة.

سأل يقول: ما حكم إرسال اليدين في الصلاة؟ فقد كنت أُرسل يدي في الصلاة أثناء القيام، وبعد أن انتهيت من صلاتي جاءني أحد المصلين وقال لي: لماذا لا تضع اليد اليمنى على اليسرى أثناء الصلاة؟ فقلت له: أنا أُصلِّي على هذه الهيئة منذ أن بدأت أُصلِّي، فقال: إنَّ فعلك هذا مخالف للسُّنَّة، فما صحة هذا الكلام؟ وهل صلاتي صحيحة؟

وأجاب المفتي: لا حرج شرعًا في إرسال اليدين في الصلاة، وأنَّ ذلك من السُّنَّةِ، وهو من آخر ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العمل، وقد سار على ذلك أهل المدينة وهو المعتمد عند المالكية ومن وافقهم، ولا صحة للقول بأنَّ هذا مخالف للسُّنَّة.

وممَّا ينبغي التنبيه عليه ألَّا يجعل المسلمون من المسائل الخلافية مثارَ فُرقةٍ وخلافٍ بينهم، حتى لا يقعوا في الفرقة المحظورة شرعًا؛ فمن المقرر شرعًا أنه "إنما ينكر المتفق عليه ولا ينكر المختلف فيه"، والصواب في ذلك تَركُ الناسِ على سَجاياهم: فمن شاء قبض، ومن شاء أرسل، وكلٌّ على صوابٍ.

مذاهب الفقهاء في موضع اليدين حال القيام في الصلاة

أفعال الصلاة ليست على صفةٍ واحدةٍ؛ فمنها الفرائض أو الأركان، ومنها السنن أو المندوبات، ومنها الفضائل والتي يُعبر عنها أيضًا بالهيئات؛ أما الفروض: فهي التي إذا ما تُرِكَتْ عمدًا أو سهوًا لم يَنُبْ عنها سجود سهو ولا غيره من سنن الصلاة، وأما السنن: فهي المستحبات التي تُجبر بسجود السهو، وتسمى أيضًا (أبعاضًا)، وأما الفضائل أو الهيئات: فهي المستحبات التي لا يلزم فيها سجود السهو، فمن ترك أو نسي شيئًا من ذلك فلا شيء عليه.

ومن جملة الهيئات: الصفة التي تكون عليها اليدان حال القيام للقراءة أو سماع الإمام، وقد اختلف الفقهاء في حكمها وكيفيتها؛ فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن صفة اليدين حال القيام للقراءة أو سماع الإمام القبض، بمعنى وضع اليمنى على اليسرى، على اختلافٍ وتفصيلٍ بينهم في موضعها؛ فوق الصدر أو تحته، قبض اليمنى على اليسرى، أو مجرد الوضع ونحو ذلك.

قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 201، ط. دار الكتب العلمية): [إذا فَرغ مِن تكبيرة الافتتاح يضع يمينه على شماله] اهـ.

وقال الإمام الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 391، ط. دار الكتب العلمية): [يُسَنُّ (جعل يديه تحت صدره) وفوق سرته في قيامه وفي بدله (آخذًا بيمينه يَسَارَهُ) بأن يقبض بيمينه كوع يساره وبعض ساعدها ورسغها؛ للاتباع] اهـ.

وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 333-334، ط. دار الكتب العلمية): [(ثم) بعد فراغ التكبير، (يحطهما) أي: يديه (من غير ذكر) لعدم وروده (ثم يقبض بكفه الأيمن كوعه الأيسر) نص عليه.. (ويجعلهما تحت سرته).. (ومعناه) أي معنى وضع كفه الأيمن على كوعه الأيسر وجعلها تحت سُرَّتِهِ: أن فاعل ذلك ذو (ذُلٍّ بين يدي ذي عِزٍّ)] اهـ.

مذهب المالكية في هذه المسألة

بينما ذهب المالكية إلى أن الحكم في صفة اليدين حال القيام على أربعة أقوال:

أولها: أن الصفة هي الإرسال أو السدل وكراهة القبض في الفريضة، وإجازته في النفل عند التطويل؛ وهو المعتمد في المذهب، على اختلافٍ وتفصيل في تعليل ذلك القول؛ هل الكراهة لعدم الاعتماد، أو لمخافة اعتقاد وجوبه مِن العوام، أو للخشية مِن الظهور بمظهر الخشوع منعًا للرياء؟

ثانيها: أنه يمنع القبض في الفريضة والنافلة؛ وهو مذهب العراقيين.

وثالثها: يجوز القبض في الاثنين؛ وهو الموافق للجمهور.

ورابعها: أنه يكره في الفرض، ويجوز في النفل طوَّل أم لا. جاء في "المدونة" (1/ 169، ط. دار الكتب العلمية): [وقال مالك: في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، قال: لا أعرف ذلك في الفريضة، وكان يكرهه، ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك، يعين به نفسه] اهـ.

وقال الإمام القرافي في "الذخيرة" (2/ 228-229، ط. دار الغرب الإسلامي) في ذكر فضائل الصلاة: [ووضع اليدين إحداهما على الأخرى حالة القيام، وقد كرهه في "المدونة"، قال: كراهة أن يُعَدَّ من الواجبات، وقال في "الكتاب": أكرهه في الفريضة بخلاف طول القيام في النوافل. وفي "الجواهر": قال أبو محمد وأبو الوليد: رواية ابن القاسم: محمولة على الاعتماد، قال صاحب "الطراز": فيه ثلاث روايات: الكراهة في الفرض رواية ابن القاسم، والإباحة في الفرض والنفل رواية أشهب، والاستحباب فيهما رواية مطرف] اهـ.

وقال الشيخ خليل في "مختصره" (ص: 33، ط. دار الحديث): [وسدل يديه وهل يجوز القبض في النفل أو إن طول؟ وهل كراهته في الفرض للاعتماد، أو خيفة اعتقاد وجوبه، أو إظهار خشوع؟ تأويلات] اهـ.

وقال الإمام الحطاب في "مواهب الجليل" (1/ 541، ط. دار الفكر) شارحًا له: [ش: قيل: إنه يجوز في الفرض والنفل، وقيل: يمنع فيهما، قاله العراقيون، وقيل: يكره في الفرض ويجوز في النفل، وهو ظاهر "المدونة"] اهـ.

وقرر أبو البركات الدردير أنَّ محلّ الكراهة في القبض ما لم يقصد الاستنان، فإن قصده ولم يقصد الاعتماد فلا كراهة؛ فقال في "الشرح الكبير" (1/ 250، ط. دار الفكر، مع "حاشية الدسوقي"): [(و) نُدِبَ لكلِّ مُصَلٍّ مطلقًا (سدلٌ)؛ أي إرسال (يديه) لجنبيه، وكره القبض بفرضٍ، (وهل يجوز) (القبض) لكوع اليسرى بيده اليمنى واضعًا لهما تحت الصدر وفوق السرة (في النفل) طوَّل أو لا، (أو) يجوز (إن طوَّل) فيه، ويكره إن قصر؟ تأويلان، (وهل كراهته) أي القبض (في الفرض) بأي صفة كانت؟

فالمراد به هنا ما قابل السدل لا ما سبق فقط، (للاعتماد) إذ هو شبيه بالمستند، فلو فعله لا للاعتماد بل استنانًا لم يكره، وكذا إن لم يقصد شيئًا فيما يظهر، وهذا التعليل هو المعتمد، وعليه: فيجوز في النفل مطلقًا؛ لجواز الاعتماد فيه بلا ضرورة، (أو) كراهته (خيفة اعتقاد وجوبه) على العوام واستبعد وضعف، (أو) خيفة (إظهار خشوع) وليس بخاشع في الباطن، وعليه: فلا تختص الكراهة بالفرض، (تأويلات) خمسة: اثنان في الأولى، وثلاثة في الثانية، ولم يذكر المصنف مِن العلل كونه مخالفًا لعمل أهل المدينة] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: أي إرسال يديه لجنبيه) أي من حين يُكَبِّر تكبيرة الإحرام (قوله: وكره القبض) أي: على كوع اليمنى واليسرى، وكذا عكسه ووضعهما فوق السرة، (قوله: وهل يجوز القبض في النفل طوَّل أو لا؟) أي: وهو المعتمد لجواز الاعتماد في النفل من غير ضرورة، (قوله: تأويلان) الأول ظاهر "المدونة" عند غير ابن رشد، والثاني لابن رشد. (قوله: بأي صفة كانت) عُلِم منه أن القبض في الفرض مكروه بأيِّ صفةٍ كانت، وأن الذي فيه الخلاف في القبض النفل إذا لم يُطَوِّلِ القبض بصفة خاصة، وأما على غيرها فالجواز مطلقًا، وليس فيه الخلاف المتقدم. (قوله: للاعتماد) أي إذا فعله بقصد الاعتماد، وهذا التأويل لعبد الوهاب (قوله: بل استنانًا) أي اتباعًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في فعله ذلك. (قوله: أو خيفة اعتقاد وجوبه) هذا التأويل للباجي وابن رشد، وهو يقتضي كراهة القبض في الفرض والنفل، ويضعفه تفرقة الإمام في "المدونة" بين الفرض والنفل. (قوله: واستبعد) أي: لأدائه لكراهة كلِّ المندوبات؛ لأن خيفة اعتقاد الوجوب ممكن في جميع المندوبات، وبالجملة فهذا التأويل ضعيف مِن وجهين كما عَلِمتَ. (قوله: أو خيفة إظهار خشوع) هذا التأويل لعياض، وهو يقتضي كراهة القبض في الفرض والنفل، ويضعفه أن مالكًا فرق في "المدونة" بين الفرض والنفل، فذكر أن القبض في النفل جائز، وأنَّه يكره في الفرض. (قوله: اثنان في الأولى) أي: في المسألة الأولى] اهـ.

الأدلة على مشروعية إرسال اليدين في الصلاة عند المالكية

أصل مشروعية قول المالكية بندب إرسال اليدين في صلاة الفريضة وكراهة القبض: ما ورد من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: "أنا أعلَمُكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: فلِمَ؟ فوالله ما كنتَ بأكثرِنا له تَبِعةً"، ولا أقدَمِنا له صُحبةً! قال: بلى، قالوا: فاعْرِضْ، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفَعُ يَدَيهِ حتى يُحاذيَ بهما مَنكِبَيه، ثم يكبّر حتى يَقِرَّ كل عظمٍ في مَوضِعِه مُعتدلاَ". أخرجه الأئمة: أبو داود والترمذي وابن ماجه في "السنن".

ووجه الدلالة من هذا الحديث أنَّه بعد بيان رفع اليدين في التكبير بيَّن أبو حميد الساعدي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعيد كل عظمة إلى موضعها، والموضع الطبيعي لليدين الإرسال بمحاذاة الفخذين لا القبض، فدلّ هذا على أنَّ فعله صلى الله عليه وآله وسلم كان القبض.

قال الإمام ابن رشد في "بداية المجتهد" (1/ 146، ط. دار الحديث): [اختلف العلماء في وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة، فكره ذلك مالك في الفرض، وأجازه في النفل، ورأى قوم أن هذا الفعل من سنن الصلاة، وهم الجمهور، والسبب في اختلافهم أنه قد جاءت آثار ثابتة نقلت فيها صفة صلاته عليه الصلاة والسلام، ولم ينقل فيها أنه كان يضع يده اليمنى على اليسرى، وثبت أيضًا أن الناس كانوا يؤمرون بذلك، وورد ذلك أيضًا من صفة صلاته عليه الصلاة والسلام في حديث أبي حميد، فرأى قوم أن الآثار التي أثبتت ذلك اقتضت زيادة على الآثار التي لم تنقل فيها هذه الزيادة، وأن الزيادة يجب أن يصار إليها.

ورأى قوم أنَّ الأوجب المصير إلى الآثار التي ليست فيها هذه الزيادة؛ لأنها أكثر، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة، وإنما هي من باب الاستعانة، ولذلك أجازها مالك في النفل ولم يجزها في الفرض، وقد يظهر من أمرها أنها هيئة تقتضي الخضوع، وهو الأولى بها] اهـ.

ومن أدلة مشروعية السدل أيضًا: ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَرَدَّ وَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ثَلاَثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا» واللفظ للبخاري.

ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية إرسال اليدين في الصلاة وعدم القبض: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر الصحابي بأن يقبض يديه بعد تكبيرة الإحرام حال القراءة، فلو أنَّ القبض لا بد منه أو لا تصلح الصلاة إلا به لأمره به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإلَّا كان ذلك تأخيرًا للبيان عن وقت الحاجة، وقد تقرر عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ قال إمام الحرمين الجويني في "التلخيص في أصول الفقه" (2/ 208، ط. دار البشائر الإسلامية): [اعلم أن أرباب الشرائع أجمعوا على أنَّ البيان لا يُؤخر عن وقت الحاجة في قضية التكليف] اهـ؛ فعُلِم بذلك مشروعية السدل.