ما حكم التوقيع بالحضور للزميل الغائب عن العمل؟.. دار الإفتاء تجيب
حكم التوقيع بالحضور للزميل الغائب عن العمل هو ما يرغب في معرفته كل موظف وعامل حتى لا يقع في المحظور بمجاملة زميله على حساب الشرع، ما يجعل من معرفة حكم التوقيع بالحضور للزميل الغائب عن العمل أمرا مهما.
وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم التوقيع بالحضور للزميل الغائب عن العمل، وأجاب عنه مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام ليعرف الجميع حكم التوقيع بالحضور للزميل الغائب عن العمل.
سأل يقول ما حكم التوقيع بالحضور للزميل الغائب عن العمل؟
وأجاب المفتي قائلا: قيام الموظف بإثبات حضور زميله في العمل من غير أن يأتي أمرٌ محرَّمٌ شرعًا، ومجرَّمٌ قانونًا؛ لما فيه من الكذب والإخبار على خلاف الحقيقة؛ بتوقيعه لزميله الغائب عن العمل، وكذلك لما يشتمل عليه فعله هذا من التزوير والغش؛ وكذلك خيانة صاحب العمل بإثبات شيء على خلاف الواقع، وفيه تعاونٌ على المعصية؛ وكذلك الموظف الموقَّع له بالحضور دون أن يأتي للعمل آثمٌ أيضًا، بل يتأكَّد الحكم في حقِّه؛ لخيانته الأمانة بالتقصير في وظيفته التي تعاقد عليها وائتُمِن على أداء مهامها؛ فإنَّ الموظف يتقاضى راتبًا مقابل عمله وعدم القيام بهذا العمل يجعل الراتب الذي يحصل عليه مقابل الساعات أو الأيام التي ثبت له فيها الحضور دون أن يأتي للعمل لا يحلّ له، بل يعدُّ من باب السُّحت، الذي ورد النهي عنه شرعًا.
حث الشرع على العمل وبيان فضله
امتدح المولى عزَّ وجلَّ عباده المؤمنين الذين يؤدُّون عملهم بإخلاص وأمانة؛ فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8]؛ قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 253، ط. دار الكتب): [والأمانة تعمُّ جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور] اهـ.
وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» رواه البيهقي في "شعب الإيمان"، والطبراني في "المعجم الأوسط".
التحذير من التوقيع بالحضور للزميل الغائب عن العمل وخطورة ذلك
قيام الموظف بإثبات حضور أو انصراف زميله في العمل دون أن يأتي إلى مقر هذا العمل يتنافى مع قواعد الشريعة الغراء التي تأمر بالأمانة والصدق وإتقان العمل وحسن الخلق، وتنهى عن الخيانة والكذب والغش والتدليس؛ فيقع على الموظف الـمُثْبِت حضور زميله إلى العمل على خلاف الحقيقة الإثم من عدة أوجه:
الأول: أنَّه فعل ما فيه الكذب والإخبار على خلاف الحقيقة؛ بتوقيعه لزميله الغائب عن العمل، وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119]، والأمر بالكون مع أهل الصدق يقضي بأن يلازم الإنسان الصدق في جميع الأقوال والأعمال؛ وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا» متفق عليه، وعن الحسن بن علي عليهما السلام قال: حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ، إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ» رواه أحمد في "مسنده"، والترمذي في "جامعه".
الثاني: أنَّ فعله هذا يشتمل على التزوير والغش؛ وقد قال تعالى: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: 30]، وروى الإمام مسلم في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي».
الثالث: أنَّه يشتمل على الخيانة؛ وذلك لأنَّه خان ثقة صاحب العمل بإثبات شيء على خلاف الواقع؛ وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ [النساء: 107]، وقال جلَّ شأنه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27].
قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (4/ 168، ط. المطبعة العلمية): [قال أبو عبيد: لا نراه خص به الخيانة في أمانات الناس دون ما فرض الله على عباده وائتمَنَهُم عليه؛ فإنه قد سمى ذلك كله أمانة؛ فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27]، فمَن ضيَّع شيئًا ممَّا أمر الله أو ارتكب شيئًا ممَّا نهاه الله عنه فليس بعدل؛ لأنَّه قد لزمه اسم الخيانة] اهـ.
الرابع: أنَّ فِعلَ هذا الموظف فيه من التعاون على المعصية؛ والله تعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].