«الإفتاء» توضح حكم اتفاق الزوجين على نفقات الأولاد بعد الطلاق
حكم اتفاق الزوجين على نفقات الأولاد بعد الطلاق هو ما يرغب في معرفته الكثيرون حتى لا يتم مخالفة الشرع، والوقوع في المحظور ما يجعل من معرفة حكم اتفاق الزوجين على نفقات الأولاد بعد الطلاق أمرا مهما.
وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم اتفاق الزوجين على نفقات الأولاد بعد الطلاق، وأجاب عنه مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء ليعرف الجميع حكم اتفاق الزوجين على نفقات الأولاد بعد الطلاق
حكم اتفاق الزوجين على نفقات الأولاد بعد الطلاق
سأل يقول: ما حكم اتفاق الزوجين على نفقات الأولاد بعد الطلاق؛ حيث إن هناك زوجين اتفقا على الطلاق ولهما أولاد ذكورٌ وإناثٌ، وخوفًا من وقوع الخلافات والنزاعات حول الإنفاق على الأولاد بعد الطلاق قاما بعقد اتفاق مكتوب يتضمن تحديد قدر النفقات وكيفية أدائها، فهل هذا الاتفاق جائز شرعًا؟ وهل يمكن للمطلق الرجوع في هذا الاتفاق؟ وهل قيمة النفقة ثابتة لا تتغير بتغير الظروف واختلاف الأسعار؟
وأجاب المفتي: لا مانع شرعًا من إبرام الاتفاق بين الأبوين على نفقة أولادهما بعد الطلاق، ما دام ذلك محققًا لمصلحة المُنْفَق عليهم من الأبناء، ويُعمَل به ما لم تتغير الظروف والأحوال الاقتصادية، فإن تغيرت: جازتِ المطالبة بتعديل قدر النفقات المتفق عليها زيادة ونقصانًا مع مراعاة مصلحة الأولاد في كلِّ الأحوالِ.
وفي هذا الشأن توصي دار الإفتاء المصرية الأزواج بحسن إدارة الخلافات الزوجية بطريقة حضاريَّة تقوم على المعروف والإحسان، وتحفظ الود وتستصحب الفضل، بما يعود على أولادهما بالخير والبركة.
نفقة الأب على أبنائه الصغار
من المقرر شرعًا أنَّ النَّفقة واجبةٌ على الأب لأبنائه الصغار الذين ليس لهم مالٌ، باعتبار أنَّ الصغر في ذاته عجزٌ عن الكسب، وذلك بموجب البعضية والجزئية الناتجة عن علاقة الوالدية، لكون الصغير بعضًا من والده ومتخلِّقًا منه، قال تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233]، والمولود له هو الأب.
وإذا كانت نفقة مَن تقوم برعاية الصغير واجبةً -وهي نوعٌ من نفقة الصغير- فإن النفقة عليه لسد حاجاته الأساسية من طعامٍ وكسوةٍ ونحو ذلك أوجب وآكد؛ فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح".
والإجماع منعقدٌ على وجوبها على الأب، قال الإمام ابن المنذر في "الإشراف على مذاهب العلماء" (5/ 167، ط. مكتبة مكة الثقافية): [وأجمع كل مَن نحفظ عنه من أهل العلم على أنَّ على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم] اهـ.
ويستوي في ذلك أن تكون الحياة الزوجية بين الأب والأم قائمة أو غير قائمة، وأن يكون الأبناء صغارًا أو كبارًا -عند جماعة من الفقهاء-، ما داموا غير قادرين على الكسب حِسيًّا؛ كوجود عاهة تمنعهم من التكسب، أو معنويًّا، كانشغالهم بالتعليم عن التكسب، أو كُنَّ بناتٍ فقيراتٍ صغيراتٍ أو كبيرات، قادراتٍ على الكسب أو عاجزاتٍ عنه.
قال العلامة السرخسي الحنفي في "المبسوط" (5/ 223، ط. دار المعرفة): [تجب النفقة على الوالد لعجز المُنفَق عليه عن الكسب، وهذا إذا لم يكن للولد مال] اهـ.
وقال الإمام الزَّيْلَعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (3/ 64، ط. الأميرية): [تجبُ النفقة لكلِّ ذي رَحِم مَحْرَم إذا كان فقيرًا عاجزًا عن الكَسب لصغره، أو لأنوثته، أو لعَمًى، أو لزَمَانة، وكان هو موسرًا؛ لتحقق العجز بهذه الأعذار، والقُدرة عليه باليسار] اهـ.
وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (4/ 204، ط. دار الفكر): [ويجبُ نفقةُ الولد الذَّكَرِ الحُرِّ الذي لا مالَ له ولا صنعةَ تقومُ به على الأب الحر حتى يبلغ عاقلًا قادرًا على الكسب، ويجد ما يكتسب فيه] اهـ.
وجاء في "الأُم" للإمام الشافعي (5/ 108، ط. دار المعرفة): [على الوالد نفقة الولد دون أمه؛ كانت أمه متزوجة أو مطلقة] اهـ.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (11/ 478، ط. دار الكتب العلمية) في شروط النفقة على الوالد: [إذا ثبت وجوب نفقة الولد على الوالد فهي معتبرة بشروط في الولد.. الشرط الثاني: أن يكون فقيرًا لا مال له، إن كان له مال كانت نفقته في ماله لا على أبيه؛ لأنها مواساة لا تجب إلا مع الفقر. والشرط الثالث: أن يكون عاجزًا عن الكسب، وعجزه عنه يكون بأحد أمرين: إما بنقصان خَلْقه، وإما بنقصان أحكامه، أما نقصان خَلقه فكالعمى والزمانة، وأما نقصان أحكامه فكالصغر والجنون] اهـ.
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي في "المسائل الفقهية" (2/ 242، ط. مكتبة المعارف): [نفقة الولد المعسر إذا كان رشيدًا.. إذا كان الولد كامل الأحكام بمعنى أنه بالغ عاقل صحيح إلا أنه معسر، هل يلزم الأب نفقته؟ على روايتين: نقل الأثرم عنه: يجبر على نفقة ولده إذا كان محتاجًا، فظاهر هذا: أنه يلزمه؛ لأنه اعتبر الحاجة] اهـ.
وهو ما جرى عليه القانون المصري؛ فجاء في المادة (18) مكررًا (ثانيًا) من القانون رقم (25) لسنة (1929م) المعدل بالقانون رقم (100) لسنة (1985م) أنه: [تستمر نفقة الأولاد على أبيهم إلى أن تتزوَّج البنتُ، أو تكسب ما يكفي نفقتها، وإلى أن يتم الابن الخامسة عشرة من عمره قادرًا على الكسب المناسب، فإن أتمها عاجزًا عن الكسب لآفة بدنية، أو عقلية، أو بسبب طلب العلم الملائم لأمثاله ولاستعداده، استمرَّت نفقتُه على أبيه] اهـ.
فالأصل أن ينفق الأب على أبنائه قدر كفايتهم مع ما يناسب يساره أو إعساره تمكينًا، أي: بتقديم أعيان أجناس النفقة لهم من طعام وشراب وكسوة وعلاج وغير ذلك، فإذا تَعَذَّر الإنفاقُ عليهم تمكينًا لغيبته عنهم مثلًا تَعَيَّن الإنفاقُ عليهم تمليكًا، أي: بتمليكهم قيمة أجناس النفقة.
اتفاق الزوجين على نفقات الأولاد بعد الطلاق
إذا أقدم الزوجان على الطلاق عند عدم القدرة على الاستمرار في الحياة الزوجية ولهما أولاد يستحقون نفقة واجبة، واتفقا بصورة ودية على قدرها وما يتعلق بها وكَتَبَا ذلك في صورةِ عقدِ اتفاقٍ بينهما -كما هي صورة السؤال-، فهذا الاتفاق جائز شرعًا ولا حرج فيه؛ جريًا على ما قرره الفقهاء من أن الأصل في العقود والاتفاقات بين الناس القائمة على التراضي والتوافق: الصحة، ما لم تُحِلَّ حرامًا أو تحرِّمْ حلالًا. ينظر: "المبسوط" للإمام السرخسي الحنفي (18/ 124)، "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (2/ 342، ط. دار المعارف)، "نهاية المحتاج" للإمام الرملي (6/ 222، ط. دار الفكر)، "شرح منتهى الإرادات" للشيخ البهوتي الحنبلي (2/ 56، ط. عالم الكتب).
قال الإمام شمس الدين الزركشي في "شرح مختصر الخرقي" (7/ 470، ط. دار العبيكان): [الأصل في العقود والشروط: الصِّحة، ما لم يدل دليلٌ على المنع] اهـ.
على أنَّ "لكل عقدٍ شرعيٍّ غاية اقتضتها حكمة الشارع؛ لوصول الناس إلى أغراضهم من معايشهم.. فإذا قصد الناس من عقودهم المعاني التي رتبها الشارع من كلِّ عقدٍ، واستوفى العقد كلَّ الشروطِ المطلوبة لتحققه: كان العقد صحيحًا"؛ كما قال العلامة الفقيه أحمد بك إبراهيم في "الالتزامات في الشرع الإسلامي" (ص: 98، ط. المكتبة الأزهرية).
فإذا تشارطا على أمرٍ يتعاقدان عليه ثم تعاقدا: فمن المعلوم أن كلًّا منهما إنما رضي بالعقد المشروط فيه الشرط الذي تشارطا عليه أولًا، ومِلاكُ العقودِ هو الرِّضا، فوجب أن يكون العقد ما رضيا به، كما أفاده الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "الفتاوى الكبرى" (6/ 269، ط. دار الكتب العلمية).