الإفتاء توضح حكم صلاة الجنازة للنساء فقط في حال عدم وجود رجال
حكم صلاة الجنازة للنساء فقط هو ما يرغب في معرفته البعض بعد أن تعرضت امرأة مقيمة في الخارج لهذا الموقف ولم تجد معها إلا صديقاتها لتصلي معهن صلاة الجنازة على أمها، فما هو حكم صلاة الجنازة للنساء فقط؟
ورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم صلاة الجنازة للنساء فقط، وأجاب عنه مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام باستفاضة عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء ليعرف الجميع حكم صلاة الجنازة للنساء فقط.
حكم صلاة الجنازة للنساء فقط
سألت تقول: ما حكم انفراد النساء بالصلاة على الجنازة جماعة؟ حيث أعيش في إحدى الدول الأوربية، وتوفيت صديقة لي وليس لها أهل ولا أقارب يعيشون معنا في هذه الدولة، فجمعتُ صديقاتي وصلينا عليها بعد تجهيزها، فهل تصح صلاتنا هذه؟ وهل يسقط بذلك فرض الكفاية أو لا؟
وأجاب المفتي: صلاة النساء على الجنازة جماعة أو فرادى صحيحة ومجزئة، وبها يسقط الفرض؛ والقول بصحة الصلاة وسقوطها عن المكلفين بصلاة النساء، لا يُتَّجَه إليه إلا إذا كانت الصلاة قد وقعت بالفعل، بحيث ينبغي ويحسن بكلِّ رجل عَلِمَ بصلاة الجنازة أن يُبادر لصلاتها ولا يتهاون لأن هناك مَن يصليها عنه، ولا يتخذ القول بسقوطها عنه بصلاة النساء أو حتى بصلاة الرجال تُكَأَة لتركها وعدم الإسراع إلى صلاتها؛ لما في القيام بها من تعظيم أمر الموت وإرساء معاني الوفاء والإكرام بين الناس سواء أكانوا أحياء أم أمواتًا، وهو الموافق أيضًا لهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث كان يسرع بالصلاة على كلِّ مَن حضرَت جنازتُه مِن المسلمين، بل كان يصلي على المُتوَفَّى عند قبره أحيانًا إذا فاتته صلاة الجنازة عليه مع الناس؛ إكرامًا له وتعليمًا لأمته بفضل هذه الصلاة.
ترغيب الشرع في صلاة الجنازة
رغَّب الشرع الشريف في شهود الجنازة وحضور الصلاة على الميت، ورتَّب على ذلك جزيل الأجر والإثابة، بل وجعله حقًّا للمسلم على أخيه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصلَّى عليها، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَها حَتَّى تُدْفَنَ فلَهُ قِيرَاطَانِ». قيل: وما القيراطان؟ قال: «مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ» متفقٌ عليه.
وعنه أيضًا رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَمْسٌ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ: رَدُّ التَّحِيَّةِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَشُهُودُ الْجِنَازَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللهَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وابن ماجه في "السنن".
وقد جاء في فضلها ما يَحْمِل المسلم على أن يكون حريصًا على فعلها؛ فقد بوَّب الإمام البخاري في "صحيحه" بابًا أسماه: "اتباع الجنائز من الإيمان"، وروى فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ».
حكم صلاة الجنازة
قد ذهب جمهور الفقهاء؛ من الحنفيَّة والمالكيَّة في المشهور والشافعيَّة والحنابلة إلى أنَّ صلاة الجنازة فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الطلب والإثم عن الباقين، وحكى بعضهم الإجماع على ذلك؛ كما في "بدائع الصنائع" للعلامة الكاساني الحنفي (1/ 311، ط. دار الكتب العلمية)، و"إكمال المُعلم" للقاضي عياض المالكي (7/ 46، ط. دار الوفاء)، و"المجموع" للإمام النووي الشافعي (5/ 212، ط. دار الفكر).
كما قرَّر عامة الفقهاء صحة صلاة النساء على الميت إذا توافرت شروطها من الطهارة، وأركانها من القيام والتكبير، فإنه "لا يشترط أن يقوم الرجال لصلاة الجنازة دون النساء وحدهنَّ" كما قال العلامة السمرقندي في "تحفة الفقهاء" (1/ 253، ط. دار الكتب العلمية).
حكم انفراد النساء بالصلاة على الجنازة جماعة
وقد اختلف الفقهاء في سقوط الفريضة بصلاة النساء إن انفردن بها، وهو على قولين:
الأول: ذهب الحنفية والحنابلة في الصحيح إلى أنَّ صلاة الجنازة تسقط فرضيتها بصلاةِ ولو واحد من المسلمين بلا تفرقة في ذلك بين رجل أو امرأة، أي أن فرض الكفاية يسقط ولو انفردت واحدةٌ من النساء بصلاتها، مع جواز أن يصلينها جماعةً؛ بل نصوا على وجوبها في حقهنَّ حيث لم يكنْ غيرُهنَّ.
جاء في "الفتاوى الهندية" (1/ 162، ط. دار الفكر): [الصلاة على الجنازة فرض كفاية إذا قام به البعض -واحدًا كان أو جماعة، ذكرًا كان أو أنثى- سقط عن الباقين، وإذا ترك الكل أثموا، هكذا في "التتارخانية"] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 565، ط. دار الفكر): [قال في "الفتح": واعلم أن جماعتهن لا تكره في صلاة الجنازة؛ لأنها فريضة، وترك التقدم مكروه؛ فدار الأمر بين فعل المكروه لفعل الفرض أو ترك الفرض لتركه؛ فوجب الأول، بخلاف جماعتهنَّ في غيرها، ولو صلين فرادى فقد تسبق إحداهنَّ فتكون صلاة الباقيات نفلًا، والتنفل بها مكروه، فيكون فراغ تلك موجبًا لفساد الفَرْضِية لصلاة الباقيات كتقييد الخامسة بالسجدة لمن ترك القعدة الأخيرة اهـ. ومثله في "البحر" وغيره. ومفاده: أن جماعتهن في صلاة الجنازة واجبة حيث لم يكن غيرهن، ولعل وجهه الاحتراز عن فساد فرضية صلاة الباقيات إذا سبقت إحداهن] اهـ.
وقال العلامة المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 515، ط. دار إحياء التراث العربي): [(فصل في الصلاة على الميت).. الصحيح من المذهب: أنها تسقط بصلاة رجل أو امرأة. قدَّمه في "الفروع"، وابن تميم، و"الرعاية"، و"مجمع البحرين"] اهـ.
وقال العلامة البُهُوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 357، ط. عالم الكتب): [(وتسقط) الصلاة على الميت؛ أي وجوبها (بـ) صلاة (مكلفٍ) ذكرًا أو خنثى أو أنثى.. (وتسن) الصلاة عليه جماعة] اهـ.