الأمم المتحدة تحتفل باليوم العالمي للأعشاب البحرية للمرة الأولى
تحتفل الأمم المتحدة اليوم الأربعاء، وللمرة الأولى باليوم العالمي للأعشاب البحرية، لإبراز الحاجة الملحة إلى إذكاء الوعي بهذه الأعشاب وأهميتها، وتعزيز وتيسير الإجراءات الرامية لحفظها وضمان صحتها وتنميتها، وذلك بعد أن اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو 2022، قرارا أعلنت فيه الأول من مارس من كل عام يوما عالميا للأعشاب البحرية.
وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، فإن الأعشاب البحرية سلاح البشرية الجديد في محاربة ظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري، فخصائصها واستخداماتها المتعددة كمصدر غذائي للبشر والحيوانات، وكونها بديلا محتملا للبلاستيك، وكذلك مواصفاتها الدوائية تجعل منها مصدرا عظيما للابتكار سيساعد البشرية والكوكب.
وإضافة إلى دورها المناخي وإسهامها في التنوع البيولوجي، فإن للأعشاب البحرية استخدامات في عدد كبير من المجالات، مثل الغذاء والصناعة والطب، لكنها تعد أحد أقل الموارد استغلالا على هذا الكوكب حتى يومنا هذا.
ذكرت الأمم المتحدة أن الأعشاب البحرية نباتات بحرية مُزهرة تنمو في المياه الضحلة في أجزاء شتى من العالم، من المناطق المدارية إلى الدائرة القطبية الشمالية. وتوجد في 159 بلدا موزعة على ست قارات، وتغطي مساحة تفوق 300 ألف كيلومتر مربع، مما يجعلها أحد الموائل الساحلية الأوسع انتشارا على وجه الأرض.
وتشكل الأعشاب البحرية مروجا واسعة تحت سطح الماء، وبذلك تكون موائل معقدة وعالية الإنتاج وغنيه بيولوجيا. كما أن للأعشاب البحرية أهمية كبيرة في مد النظام الإيكولوجي بوفرة من الخدمات عالية القيمة التي تسهم بشدة في تعزيز عافية النظم الإيكولوجية في العالم، ورفاه البشر، وأمن المجتمعات الساحلية.
تُعد الأعشاب البيئة البحرية، رئة ثانية للكوكب بعد الغابات، وهي وحدها مسؤولة عن نصف عمليات تجديد الأوكسجين على الأرض، وتقدم خدمة رائعة للمناخ لكونها عنصرا أساسيا من عناصر جهود التخفيف والتكيف، وبالرغم من أن هذه المروج لا تغطي سوى واحد بالمئة من قاع المحيطات، فإنها تعد بالوعات كربون شديدة الفعالية، فهي تخزن ما يصل إلى 18 بالمئة من كربون المحيطات في العالم، كما يمكن للأعشاب البحرية تخفيف حمضية المحيطات، ما يساهم في تعزيز صمود النظم الأيكولوجية والأنواع الأكثر حساسية، مثل الشعب المرجانية، فضلا عما تمثله من خط الدفاع الأول على طول السواحل من خلال تخفيفها قوة الأمواج، وحماية البشر من الخطر المتعاظم للغمر والعواصف.
ذكرت الأمم المتحدة أن الأعشاب البحرية من شأنها تحسين نوعية المياه بتصفية المغذيات والملوثات وتدويرها وتخزينها، كما يمكنها أن تقلل من وجود البكتيريا البحرية المسببة للأمراض، الأمر الذي لا يحمي البشر بشكل غير مباشر فحسب، بل يقلل الأمراض التي تصيب المرجان، ويخفف التلوث في الأغذية البحرية كذلك، كما تتيح الأعشاب البحرية منافع ثقافية في شتى أرجاء العالم بتعزيز فرص السياحة والاستجمام.
ولم تزل الأعشاب البحرية تتدهور على الصعيد العالمي منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وبحسب تقديرات دولية، تفقد سنويا نسبة سبعة بالمئة من هذا الموئل البحري المهم في أنحاء العالم، وهذا ما يعادل مساحة ملعب كرة قدم من الأعشاب البحرية كل 30 ثانية. وفقد ما يقرب من ثلاثين بالمئة من مساحة الأعشاب البحرية في العالم منذ أواخر القرن التاسع عشر، وتتضاءل عدد 22 نوعا منها من أصل 72 نوعا في كل بقاع العالم.
وقد لاحظت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقلق أن واحدا وعشرين بالمئة من أنواع الأعشاب البحرية مصنفة ضمن الأنواع شبه المهددة والمعرضة للانقراض، نتيجة الضغوط المجتمعة لتنمية السواحل، والتلوث، وتغير المناخ، والتجريف، وأنشطة الصيد وركوب القوارب غير المنظمة.
وأشارت الأمم المتحدة إلى أنه على الرغم مما يشهده العالم عموما من فقدان كبير في الأعشاب البحرية، فإن ثمة ما يدعو للأمل، بعد أن لوحظ في بعض المناطق تراجع معدلات انحسارها أو تعافيها تعافيا كبيرا، خاصة أن كثيرا ما تُعزى حالات التعافي للتدخلات البشرية الهادفة إلى تقليل تأثير عوامل الإجهاد التي يسببها البشر، ومن المؤمل أن يزيد الاهتمام بالأعشاب البحرية بما يسهم في تأمين مستقبل مستدام لهذه النظم الإيكولوجية الأساسية التي لم تُقدر حق قدرها.
وليس هناك من شك في أن من شأن تنامي الاعتراف بأهمية النظم الأيكولوجية للأعشاب البحرية لكل من التنوع البيولوجي ورفاه الإنسان أن يوجه الجهود من شتى أنحاء العالم نحو صون هذه النظم وحُسن إدارتها واستعادتها، وقد يساعد الحرص على بناء مستقبل مستدام لهذه الأحياء البلدان في تحقيق عدد من الأهداف الاقتصادية والمجتمعية والغذائية.
وللأعشاب البحرية العديد من الاستخدامات والفوائد الأخرى؛ إذ يمكن استخدامها كسماد عضوي، وبديل مستدام للبلاستيك، ومكون يدخل في صناعة مستحضرات التجميل والأدوية، ومواد غذائية تساعد في حل أزمة الغذاء العالمية، وفي الوقت نفسه، امتصاص كميات هائلة من غازات الاحتباس الحراري الضارة من الغلاف الجوي وتوفير مئات الوظائف.
وفي تقرير دولي جديد بعنوان من ضفاف البحر: قيمة الأعشاب البحرية بالنسبة للبيئة والبشر، جاء فيه أن الأعشاب البحرية ستحدث ثورة في مجال القضاء على الجوع، ويمكن إطعام عشب البحر، وهو نوع من الأعشاب البحرية، للحيوانات، ويمكن أن يساعد ذلك في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مضيفا أنه إذا تمت زراعة اثنين بالمئة فقط من مساحة المحيط بصورة مستدامة، فسيمكن بسهولة توفير غذاء يكفي لإطعام العالم بأسره، أي توفير كمية من البروتين كافية لإطعام 12 مليار شخص في العالم، لا سيما أنها غنية بالبروتين والفيتامينات والزنك والحديد، وتحتوي على نسب قليلة من الدهون والكربوهيدرات.
ولهذه الأعشاب البحرية القدرة على أن تصبح طعاما رئيسيا في جميع أنحاء العالم، فعلى سبيل المثال يستخدمها معظم اليابانيين في وجباتهم الرئيسية الثلاث اليومية، كما تستخدم في إعداد العديد من الأطباق في كوريا، ويتغذى عليها كثير من الناس في الصين.
ولا تحتاج الأعشاب البحرية إلى الأرض أو المياه العذبة أو المبيدات، وإنما فقط الشمس والمياه المالحة، وإذا تم إطعام الماشية بالمواد الغذائية المستمدة من الأعشاب البحرية بدلا من فول الصويا، فيمكن خفض انبعاثات غاز الميثان بنسبة تسعين بالمئة، وتحسين عملية الهضم مع تعزيز جهاز مناعة الحيوانات، مما يقلل الحاجة إلى المضادات الحيوية، وهذا ما يحدث بالفعل في بعض البلدان مثل إسكتلندا وأيسلندا.
وأكدت الأمم المتحدة أن إدراج إدارة الأعشاب البحرية وصونها واستعادتها، يعد من العناصر الأساسية في استراتيجيات الاقتصاد الأزرق المستدام مستقبلا، وهناك مشاريع قيد التنفيذ بالفعل في بلدان مختلفة، وقد اختير عدد قليل منها بوصفها مبادرات رائدة في الجهود العالمية لاستعادة النظم الأيكولوجية في العالم، واختيرت هذه المشاريع بوصفها أفضل أمثلة لاستعادة النظام الأيكولوجي على نطاق واسع وطويل الأمد، وهي تجسد مبادئ الاستعادة العشرة لعقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام الأيكولوجي.
وإذا نجحت الجهود الدولية في هذا المسار، فقد تجد صناعة الأعشاب البحرية نفسها في صميم جهود مكافحة أزمة المناخ، وتعزيز النظم البيئية البحرية، وتقريب العالم من تحقيق الغاية الكبرى المتمثلة في القضاء على الجوع.